محمد ناصر الدين ابن الحاج نوح نجاتي بن آدم الألباني، ولد عام 1333هـ الموافق 1914م في مدينة أشقودرة، نشأ في أسرة عُرفت بالعلم والفضل؛ فقد تربى في بيت والده الذي كان من علماء بلده، ثم هاجر والده إلى دمشق الشام، وقد كان الشيخ يبلغ من العمر حينها تسع سنوات، فالتحق بـ(مدرسة الإسعاف الخيرية الابتدائية) ولم يكن يعرف اللُّغة العربية، فأتقنها في سنتين، وفاق أقرانه من العرب السوريين في اللغة العربية. حتى وصل الأمر بمعلم اللغة العربية الذي كان يدرسه أنْ عيَّر زملاءه به فكان يقول: «أليس من العيب أن يكون هذا الأرنؤوطي أفضل منكم وهو ليس بعربي؟!».
وعلى الرغم من نبوغ الشيخ في المدرسة وتفوقه إلا أنَّ والده لم يقتنع بالطريقة التي يدرس فيها الطلاب في المدارس النظامية؛ فأخرج ولده من المدرسة؛ ليتلقى العلم على أيدي المشايخ والعلماء؛ فبدأ الشيخ -رحمه الله- بطلب العلم عند والده الذي وضع له برنامجًا علميًّا لتعلم القرآن حفظًا وتجويدًا، ولتعلم النحو والصرف والبلاغة، والفقه الحنفي الذي كان والده متقنًا له، ولفقره وقلة الكتب عنده يمم وجهه شطر المكتبة الظاهرية؛ لقراءة الكتب والمخطوطات فكان يقضي فيها جلَّ وقته، كما كان يتردد على أكبر مكتبات دمشق الخاصة.
وكان الشيخ من أسرة فقيرة عفيفة؛ لذلك اضطر للعمل وهو صغير، فأرسله والده للعمل مع خاله إسماعيل الذي كان يعمل نجَّارًا فيما يعرف بالنجارة العربية، وذات يوم عاد الشيخ إلى والده مبكرًا فعلم الأب أنَّه لم يعمل في ذلك اليوم؛ فمعلوم أنَّ جو الشام بارد في الشتاء، ومهنة النجارة تتطلب أجواءً مناسبة، وحينها اقترح والد الشيخ عليه أن يترك هذه المهنة؛ لصعوبتها، ولعدم وجود مردود مادي كبير لها، وأشار عليه بالعمل عنده في إصلاح الساعات في دكانه الخاص به، فلزم الشيخ والده حتى أتقن هذه المهنة، ثم فتح دكانًا خاصًّا به، وكانت هذه المهنة من نعم الله عليه كما كان يذكر -رحمه الله-؛ فقد أكسبته دقة وصبرًا انعكسا على شخصيته عمومًا، وعلى علمه خصوصًا.
وقد كان الشيخ -رحمه الله- يعطيها من وقته ثلاث ساعات يوميًّا فقط عدا الثلاثاء والجمعة؛ إذ كان يكتفي بالحصول على القوت الضروري له ولعياله، أمَّا باقي الوقت فيصرفه في البحث والطلب والقراءة في الكتب والمخطوطات في المكتبة الظاهرية التي خصَّصت له غرفة خاصة به؛ تقديرًا له، باإضافة إلى نشاطه الدعوي في مدن سوريا.
والتحق الشيخ بدروس بعض علماء دمشق من أصدقاء والده مثل الشيخ سعيد البرهاني، كما حرص فيه على حضور دروس الشيخ بهجة البيطار، ودروس الشيخ بدر الدين الحَسَنِي التي كان يحدِّث فيها في المسجد الأموي.
كما حصل على إجازة علميَّة من الشيخ محمد راغب الطباخ علامة حلب في وقته.
وكان الشيخ -رحمه الله- مولعًا بالقراءة منذ صغره؛ فوقف على جزء من مجلة المنار معروضًا عند أحد الباعة فأخذه وطالعه؛ فاستوقفه بحث بين مثاني هذا الجزء من المجلة للشيخ محمد رشيد رضا يتحدث فيه عن كتاب الإحياء للغزالي، مشيرًا إلى محاسنه والمآخذ عليه التي من أبرزها الأحاديث الضعيفة التي أوردها مؤلفه فيه. فأشار الشيخ محمد رشيد رضا في هذا السياق إلى تخريج العراقي لأحاديث الإحياء؛ فانطلق الشيخ الألباني -الذي أعجب بهذا البحث إعجابًا شديدًا - باحثًا عن كتاب العراقي المشار إليه، فلما وقف عليه استأجره من صاحبه -المكتبة العربية-؛ إذ لم يكن يملك ثمنه في ذلك الوقت.
وبدأ الشيخ يقرأ هذا الكتاب فاستهواه تخريج الأحاديث فعزم على نسخ التخريج الذي كان مطبوعًا في حاشية على الإحياء. فبدأ بنسخ هذا التخريج مضيفًا إليه شُروحًا للكلمات الغريبة، مستعينًا بكتاب «غريب الحديث» لابن الأثير، والقاموس -وغيرهما- ومضيفًا إليه زيادات وتتميمات على تخريجات العراقي للأحاديث. وهكذا استمر الشيخ في عمله حتى خَرَجَ هذا النَّسْخُ في ألفين واثنتي عشرة صفحة، فجعله الشيخ في ثلاثة مجلدات، ولم يكن الشيخ وقتئذ قد جاوز العشرين من عمره، وبذلك تكون مجلة المنار قد فتحت له الطريق للاشتغال بعلم الحديث.
ومن بواكير أعمال الشيخ العلمية أنَّه كان ينكر ما عليه الناس من بدع وشركيات وغير ذلك مما يخالف شرع الله، وكان من جملة هذه المسائل مسألة قصد الصلاة عند قبور الصالحين، مما دفعه إلى بحث المسألة في الكتب التي حوتها مكتبة والده فخرج بنتيجة مفادها حرمة الصلاة في المساجد المبنية على القبور، وقد أقنع الشيخ -رحمه الله- والده بذلك. وكتب الشيخ في المسألة رسالة كانت نواة لكتابه النفيس «تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد».
ترعرع الإمام الألباني في دمشق الشام، وفي أيام صباه هاله وراعه ما آلت إليه حال الأمة: من جهل، وخرافات وتقليد، وبدع، وضلالات، بل من شركٍ ووثنيات، فكان يُنكرها.
وقد سمعه شيخ من المشايخ -ذات مرَّة- وهو ينهى عن منكرٍ من المنكرات، فقال له ذلك الشيخ: ألم تسمع بحديث النبي ﷺ: «دعوا الناس في غَفَلاتهم»؟!
قال الألباني -وكان شابًا-: من روى هذا الحديث؟ وما هي درجته؟
ففُوجِئ الشيخ بهذا الشاب، وعجز (بالطبع) عن إجابته؛ فراح الألباني يبحث في بطون الكتب، فيفتش ويبحث ويدقق النظر، حتى هداه الله عز وجل إلى الحديث بتمامه : «دعوا الناس في غَفَلاتهم، يُرزَق بعضهم من بعض»، فخرّجه، وبيَّن حال رواته، وعرف درجته. وكان فاتحةَ عمله بهذا العلم الشريف.
وانتقل من دمشق إلى عمَّان مستقرًا فيها إلى أن توفاه الله عام 1420هـ.
وحظي الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- بمكانة علمية رفيعة بين أقرانه من العلماء والمشايخ والدعاة؛ فعلى امتداد عمر الشيخ الطويل تيسر له لقاء عدد كبير مِن العلماء والدعاة والأساتذة في الشام وفي الجامعة الإسلامية، وفي أثناء رحلاته؛ فكان الشيخ يحظى بتقدير واحترام من قبل هؤلاء العلماء الذين عرفوا مكانة الشيخ -رحمه الله-، وقد ظهر هذا -جليًّا- فيما كتبوه أو قالوه عن الشيخ الإمام.
«سلسلة الأحاديث الصحيحة»، «سلسلة الأحاديث الضعيفة»، «إرواء الغليل»، «صحيح الجامع»، «ضعيف الجامع»، «صحيح وضعيف السنن»، «التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان»، «تمتم المنة»، «صفة الصلاة»، «أحكام الجنائز»، «مختصر صحيح البخاري»، «الرَّد المفحم»، «صحيح موارد الضمآن»، «صحيح سنن أبي داود -الكتاب الأم»، «صحيح ابن خزيمة»، «هداية الرواة»، «تحريم آلات الطرب»، «مختصر الشمائل المحمدية»... إلخ، وغيرها من الكتب التي لا يستغني عنها عالم، أو طالب العلم، أو عامة الناس.
رحمه الله رحمة واسعة.