تغييرٌ .. فتغيير - جمعية مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث

تغييرٌ .. فتغيير

  • علي حسن الحلبي
  • 25/06/2018
  • 610

إنَّ الواقع المرَّ الذي تَعِيشُهُ أُمتنا الإسلامية -عرباً وعجماً- منذ عُقود ، وعقـود: يحيِّرُ ذوي الألباب، ويَـذْهَـلُ - به - فِعلاً- صاحب الرُّشد والصواب ...
 ذلكم أنَّ هذه الأمةَ -الّتي تَحملُ من التاريخ النَّاصع الأغرّ ما تَنوءُ بأخباره المجلَّدات السِّمان - تقفُ اليـوم-فوا أسفي الشديد- على هامش الأحداث؛ فارغةَ المضمون، خاوية الوِفاض . . . إلا من بقايا -هنا وهنـاك- تَستَنهضُ الهِـمـمَ، وتُطــاول -بجهدٍ وجهادٍ- الذُّرى والقِممَ .. ولكن؛ أنّى لها ذلك -وصولاً، أو حصولاً-، وهي تسبحُ ضدَّ التيار الغامِس؛ في ظلامٍ دامس، وليل طامس!؟
ولكـن هذا الواقع العَسِر المَضّ -لن يكون -بإذن الله- في يومٍ- سبباً تنخلعُ به الأمّةُ -بكُلِّيتها- عن أصل استقرارها، وقاعدة بقائها . . بل ستستمرّ -بحفظ الله- لها، وتستقرّ -بتوفيق الله- إيَّاها.
ولن يكون لهذا الاستقـرار -فضلاً عن ذيّاك الاستمرار- وجودٌ -فضلاً عن ديمومة- إلا بالأخذ بعوامل البقاء، المبنيّة على التغيير، والقائمةُ على التغيُّر... تغييرٌ في الواقع، وتغيُّرٌ في المستقبل: ينتج عن ذلك -كلِّه- تغييرٌ من الله -تعالى- بمنّةٍ ربَّانية، ومنحة إلهية...
ولقد رأيت -في هذا المقام- كتابةً رائقةً؛ دبَّجتها براعة كاتبٍ أديب، ومنشئٍ أريب؛ وضع يدَه على الجُرْح، وعَرَفَ -في خِضَمِّ تيه الأفكار، وتقلُّب الأوضاع- الدواء الشافي؛ الّذي يجب -وجوباً محتماً- أن يعرفه كلُّ من رضي بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً؛ بغضِّ النظر عن مقدار قُربهِ أو بُعده من هذا الأصل الراسخ -علماً أو عملاً-.
وهذا الذي أقوله -كلُّه- مُنطلِقٌ -أصلاً-، وراجعٌ -فرعاً- إلى حقيقة فهم وتطبيق قولِ ربِّ العالمين -في كتابه المبين-:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} ؛ تغييرٌ مبنيٌ على تغيير؛ صادرٌ عنه، وراجعٌ إليه ....
يقول الأستاذ الفاضل الأخ الصَّديق إبراهيم العجلوني-سدده الله بتقواه- تحت عنوان(1) (حالُنا في العِلَّة .. ونحن الملومون): (( نقرأ في كتاب ((الاعتبار)) -لأُسامة بن منقذ- أن الفِرِنجة استولوا على نابُلُس، وأنه قد كانت لهم متاجرُ في قلب المدينة يبيعون فيها الخمور، وأنه ربما لم يكن يفصل بين بعض بيوت المسلمين ومراكز الفِرِنجة إلا الجادّات الضيقة! وهذا يعني أن القوم كانوا ملابسين لنا على نحوٍ قد يدفعُ صاحب النظر الضيق إلى الظنّ بأنهم لن يرحلوا يوماً! ثم ما هي إلا دورةٌ زمنيةٌ خاطفةٌ فإذا هم في طوابير ممتدة نحو السواحل الفلسطينية؛ ترهقهم ذلّة الانكسار بعد أن كانوا جبابرة، وإذا هم يغادرون أرضنا راغمين، بعد طول احتلال وتمكين ...
لقد استغلوا تمزُّقَنا وضَعفنا -أولَ مرة- واستيلاءَ الوهن علينا، فكان ما كان من تحالفاتهم يوم تَداعَوْا علينا في حروب الفِرِنجة المتتابعة، وحملاتهم المتلاحقة.
ولولا ذلك الضعف وذاك التمزُّق، وذلك الوهن: لَمَا كان لهم أن يطأوا شبراً من بلادنا.
وليس يختلف يومنا عن أمسنا، إذْ حالنا هي علّةُ ما نتعرضُ له من احتلال، فإذا هي تغيّرت -أقصد: إذا غيَّرنا نحن ما بأنفسنا، وأخذنا بأسباب الوحدة والقوة- فإن من منطق الأشياء أنْ لا يكون لهم علينا سبيلٌ، وأن نكون في مَنَعَةٍ من أمرنا ترهبُهم، تماماً كما كان من شأن العرب المسلمين أيام صلاح الدين،  وقبل ذلك بقرون حين كانت أوروبا تطلب ودَّ الخلفاء المسلمين، وتخشى غضبهم، وتلتمس إلى رضاهم الأسباب.
 المسألة -إذاً- مرهونة بنا نحن العرب  والمسلمين، لا بالفِرِنجة قديماً والأمريكان حديثاً.
فأن نُطَهِّر أنفسنا وصفوفنا، وأن نكون المؤمنين الأعزَّة الذين عرفَتْهُم بدرٌ، وأُحُدٌ، والخندق، واليرموك، ... ذلكم هو النهجُ الواضحُ، والمحجةُ البيضاءُ.
{ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ })).   
قلتُ: وهذا هو دواء الداء، وبَلْسَمُ الشفاء.
واللهُ المسدِّدُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في صحيفة (الرأي) الأردنية: 10/5/2003 م.