أثر الشاطبي في الإصلاح والمصلحين ج6 - جمعية مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث

أثر الشاطبي في الإصلاح والمصلحين ج6

  • مشهور حسن آل سلمان
  • 11/08/2018
  • 1005

سبق أن قررنا أن الشاطبي -في جُملتِهِ- مصلح سلفي، ولـه بواعث ودوافع في الإصلاح، وأظهر أثر ذلك في مجالات متعددة، ألقينا عليها أضواء، وعملنا على إبراز نظريته في كل من المجال الخُلُقي، والتربوي، والسياسي، ونختم حديثنا عن نظرية الشاطبي في الإصلاح ببيان أثرها في الإصلاح والمصلحين، مكتفين بإشارات سريعة، فنقول:
ظهر أثر الشاطبي على ثلَّة من المصلحين في العالم الإسلامي بجناحيه: المشرقي والمغربي، وكان لهؤلاء بالغ الأثر في الإصلاح السلفي المعاصر، ولا سيما في (منهج التلقي) و (محاربة البدعة) والموقف من (الفرق الضالة) و(الصوفية) (1)، الذين حسَّنوا الظن بمشايخهم دون النصوص التي فيها عصمة، فأخذوا بالظن، وتركوا اليقين.
واستفاد هؤلاء المصلحون من الشاطبي في وقت اغتر الناس فيه بالحضارة الغربية، ونمط حياتها، واختلط عليهم النافع منها بالضار، وأصبح الدين فيهم -إلا من رحم الله- غريباً، وانعدم فيهم العلم الشرعي الصحيح، وانتشرت البدع والخرافات، وساعدهم على هـذه الاستـفادة الأصـول العظيمة
التي أصّلها الشاطبي حول (المقاصد) و(البدع)، فــوجــدوا كــليات نـافعـة،

فأخذوها وبنوا عليها، وعالجوا من خلالها الأمراض والخلل الواقع في الفهم والممارس في ميادين الحياة.
وقد تفطن إلى هذا غير واحد من الباحثين والعلماء المعاصرين؛ فها هو الدكتور عبدالمجيد تركي(2) يعد الشاطبي اليوم من دعائم الصحوة الإسلامية، وأنه عمل على تحريكها في اتجاهيها اللذين نأخذ بهما الآن، وهما:
الأول: الاتجاه السلفي بالنسبة للحياة العامة.
والآخر: اتجاه التعليل بالمقاصد الذي أصبح يسود الدراسات الشرعية.
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور بعد كلام:
«أما الكتاب الآخر وهو كتاب «الاعتصام» الذي هو ثمرة كفاح الشاطبي في تقـويم الدين وقـمع البـدع، فقـد كان -أيضاً- باعِثاً من أقوى بواعث النهضة الإسلامية الحاضرة، استندت إليه الحركة السلفية في المشرق والمغرب منذ أخرج للناس العلامة المرحوم السيد محمد رشيد رضا من مطبعة المنار سنة (1332هـ)، فكان فيض بيانه المتدفق، برداً وسلاماً على القلوب المتحرقة من سوء مآل العالم الإسلامي، لما حيك في نفوس المسلمين من زينة البدع»(3).
وقد كشفنا في تقديمنا لـ «الموفقات»(4) مدى تأثر محمد عبده وتلاميذه محمد رشيد رضا ومحمد الخضري، بالإمام الشاطبي(5)، وكذا من تأثر بمدرسة المنار كمحمد أبو زهرة وغيره.
أما إذا جئنا إلى المغرب العربي، فنجد رائدين من رواد الإصلاح العلمي والاجتماعي، والسياسي، قد تأثرا تأثراً واضحاً بصاحبنا الشاطبي، هما: الشيخ محمد الطاهر بن عاشور(6)، والزعيم علال الفاسي(7) -رحمهما الله تعالى-، ويدور تأثرهما على محورين اثنين هما: الناحية العلمية، والناحية المنهجية، وقد قامت دراسات خاصة في ذلك، نحيل من رام الاستزادة إليها، إذ الإسهاب والبسط ليس هذا موضعه، ولكن لا ننسى في هذا المقام ما قاله الدكتور حمادي العبيدي(8) بعد أن ألمح إلى تأثر المعاصرين المذكورين بالشاطبي؛ قال:
«وإذا أردنا أن نوازن بين درجات التفاعل مع أفكار الشاطبي عند هؤلاء المصلحين الذين ذكرناهم؛ فإننا نرى أن (علال الفاسي) هو الذي نقل تلك الأفكار إلى المجال الذي تجري فيه (الصحوة الإسلامية) المعاصرة، سواء في موقفها الداخلي ودعوتها إلى النهوض بالعالم الإسلامي، أو في موقفها الخارجي من الحضارة الغربية والاقتباس منها.
وهكذا يتضح أن الشاطبي ما يزال يعيش بيننا بفلسفته في المقاصد وآرائه الإصلاحية، وأن رجال العلم والفكر في العالم الإسلامي يجدون فيها معيناً لدعوتهم إلى الإصلاح والتجديد على أسس من القيم الإسلامية الثابتة».
والواقع أن هذا الاتجاه في النهوض بالعالم الإسلامي على أساس فكر أصيل يستمد من ينابيع المقاصد الشرعية قد ظهر نتيجة التصادم مع حضارة الغرب المادية، وحماية للمسلمين من فتنة الأفكار المستوردة التي لا تتلاءم مع مقتضيات حضارتهم وأصول دينهم الحنيف(9).
وفي الختام؛ لا بدَّ من التنبيه على أن كثيراً من البعيدين عن الجادة، والمحاربين للدعوة السلفية يتعلقون بكلام الشاطبي(10)، ويأتون به في معرض (التجديد) والكلام على (ما أصاب المسلمين من ركود وتخلف وجمود)، ويخرجون بـ (نتائج) و(أحكام) عجيبة غريبة، ويمكن تسمية صنيعهم هذا بـ (التلبيس المقلوب)!!
فهاهو مثلاً (محمد عابد الجابري) يذهب في مقالة نشرت في مجلة «العربي» (عدد334، سنة 1986م، ص 25-29) بعنوان «رشدية عربية أم لاتينية؟!» إلى أن الشاطبي في كتابه «الموافقات» يُعد عقلانياً، وها هو (راشد الغنوشي) (يحتج) بكلام للشاطبي في كتابه «الحريات العامة في الدولة الإسلامية» في مواطن كثيرة، وكأني به يقرر أن الشاطبي «اعتبر المصلحة هي أساس الشرع»، وهذا ما يلبِّس به كاتب آخر؛ هو (حسن حنفي) من خلال ذكره لهذه القاعدة ذات البريق الجذاب(11).
لقد ذهلت بعد مطالعتي لكتاب الغنوشي «الحريات العامة في الدولة الإسلامية»؛ فهو يقرر فيه أحكاماً وقواعد وينسبها للشرع، ويتعلق بعد هذا كله بالأصوليين وعلى رأسهم إمامنا الشاطبي -رحمه الله تعالى-، وهو في كتابه هذا يوافق نظرة الغرب حول الحرية وحول المرأة(12).
وأخيراً . . . نَضَّر الله وجه الشاطبي، ما أبهاه بين وجوه المصلحين المجددين الأفذاذ، وما أجلّ ما قدّم، وما أكرم ما دعا إليه من التمسك بالصراط السوي، والهدي النبوي(13).