إنّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ - جمعية مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث

إنّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ العَالَمِينَ

  • علي حسن الحلبي
  • 11/08/2018
  • 6046

الإقرار بالخوف من ربِّ العالمين –سبحانَه-: رُقيٌّ في العبوديّةِ يُطمْئِنُ النفوسَ، ويُهذِّبُها، ويُربِّيها . .
ولكنَّ المؤمنَ الموقورَ قلبُهُ بخشية اللهِ؛ لا يكتفي بمحضِ الخوفِ وسيلةً لِنَيْلِ رضا اللهِ، وتحصيل طاعتهِ وهُداه . . . لا؛ لكنّه – بتوفيق ربِّه- يجمعُ إلى خوفهِ – ذاك- رجاءً صادقاً برحمتهِ –سبحانه-؛ يدفعُه إلى الصالحات من الأعمال، وحُسن الآمال بما عند ربِّنا المُتعال . . وقد قيل قديماً: (حُسْنُ العمل من صِحَّة الأَمَل) . .
وإلى هذين – وقبلهما- يحدوه في سائر عملِه – ظاهراً وباطناً- حُبٌّ مُخلِصٌ لربِّه، يَذِلُّ له – به- بين يديهِ؛ مِمّا يقرِّبه إليهِ، ويرفعُه إليهِ . .
وحقيقةً ؛ فإنَّ الذي يخافُ من ربِّه؛ يدفعُه خوفُه ولا بُدَّ – إلى عملٍ، ولا يكونُ هذا الخوفُ – أساساً- إلا بدافع الرجاءِ الموصولِ بالحُبِّ . . . وإلا: فبلاءٌ متراكمٌ متراكبٌ . . .
ولقد أقرّ بهذا الخوفِ المَخُوفِ اثنان:
أوّلُهما : المظلومُ مِن ابْنَي آدمَ؛ اعترافاً بحقِّ الله عليه، ورغبة بما عند اللهِ –له-: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة:28]، خوفٌ حقيقيٌّ، يمنع اليدَ من إطلاقها، ويربط اللسان بعِقال الهُدى . .
فكانت كلمةَ حقٍّ تُعَبِّرُ عن واقعٍ ما له من دافعٍ . .
وثانيهما : الشيطانُ الرجيم؛ الّذي وسوس، ولبَّس، ودلَّس، وأَساء، وأوقع، وأَكْفَرَ:
{كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ للإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الحشر:16]، إنّه إقرارٌ كاذبٌ، يفنّده سوء عملهِ، وضلال صنعهِ، وكفرُ طريقهِ . . .
فهذا الإقرارُ –إذَنْ- جملةٌ واحدةٌ، وكلمةٌ لا ثاني لها؛ لكنّه قد يصدر من صادق بعلمهِ، وقد يخرجُ عن كاذبٍ بفعلهِ . . .
والأيّام – وحدَها- في الدنيا- بمنّة الله- كفيلةٌ بكشف هذا الكاذب، وهَتْك أَستار سوئهِ – ولو بعد حين- . . . وإلا: فأمامَ ربِّ العباد –يومَ التَّناد- وعلى رؤوس الملأِ والأشهاد . . .
فلا ينفعُ – من قبل ومن بعد- مع الحقِّ- إلا الإخلاص . . . وأمّا مَن افتقـده أو أضاعـه: فنـدمٌ مِن النفسِ – وعليها- وإخصاص(1) . . . ولكنْ: {وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ}!!